منذ نعومة أظفارنا تعلمنا ممن سبقونا أننا يجب أن نختار شخصاً، نعتبره رمزاً . . نقتدي به ونقتفي أثره . . أطلقوا عليه المثل الأعلى، ليكون قدوتنا في الحياة، وبوصلة تحركاتنا نحو المستقبل، ومعياراً لمدى نجاحنا وإنجازاتنا
فالحياة بشواطئها المترامية وأمواجها العاتية وأحداثها الجسام وزخمها الذي لا ينتهي، بحاجة إلى أمرين، هدف، وقدوة أي مثل أعلى . . فالهدف كما يصفه علم الإدارة، أنه نهاية عملية، وتكون لهذه العملية بداية، ويربط ما بين البداية والنهاية خطوات مترابطة متكاملة تتلو الواحدة منها الأخرى في ترتيب يؤدي إلى تحقيق الغاية .
إلا أنني أرى أن الهدف هو تلك الرغبة الجامحة والجذوة المشتعلة في داخلنا التي تدفعنا لنحقق شيئاً نرغبه ونتمناه ونحلم به، كما أن الهدف يضبط سرعة صاحبه على طريق الطموح للوصول إلى ما يصبو إليه من نتائج ومكانة وإنجازات، والذين لا يحددون لأنفسهم أهدافاً في الحياة كمن يلعبون مباراة في كرة القدم لكن بدون وجود مرمى . . فهم يدخلون الحياة ويخرجون منها بلا أي أهداف .
أما المثل الأعلى، فهو ذلك الشخص الذي نرى فيه مقياساً لنجاحنا من خلال إنجازاته وتاريخه ونجاحاته في الحياة لنستلهم من تاريخه القوة، والقدرة على الصمود ومواجهة التحديات . . والتطلع نحو الأفضل . . وقد يكون المثل الأعلى نبياً، أو قائداً، أو مناضلاً، أو شخصية سياسية، أو غير ذلك .
منذ أيام دعاني مثلي الأعلى إلى مكتبه لتناول الشاي، وكم كانت سعادتي بهذا اللقاء، فجميل أن ترى مستقبلك يجلس أمامك، والأجمل أن تشعر بالاطمئنان إلى حالك غداً . . ومحظوظ من صادف مثله الأعلى في محيط عمله، أو في بيئته المحيطة، ليسهل عليه لقاءه ومراقبة تصرفاته - إن صح التعبير- وردود أفعاله، والاستمتاع بالاستماع إلى نصائحه وتوجيهاته . فبدون مثل أعلى كيف ترى نفسك بعد سنوات، وفي أي مكانة تضع ذاتك . . إن أبجديات الحياة أن تبذل الجهد والعرق والأسباب أيضاً، وتختار لنفسك مثلاً أعلى، وتسعى في مناكبها، وتنتظر النتائج، كالفلاح الذي ينثر الحب وينتظر البشائر .
وصدق الشاعر حين قال: